من أبرز ما في بيئة الإنسان اليوم هو كثرة الخيارات الموجودة أمامه في كثير في تفاصيل حياته. والاختيار بين هذه الخيارات يستلزم أحياناً كثيرة البحث عن معلومات، كما عند شراء منتج بين مجموعة كبيرة من المنتجات، على سبيل المثال. وهنا تكون البيئة التي يعيش فيها الإنسان هي التي تستدعي منه البحث بشكل دائم عن المعلومات.

ويتحدّث بعض الباحثين عن ظاهرة مفارقة الاختيار (paradox of choice)، والتي تعني أن سعادة الإنسان تزداد مع ازدياد الخيارات أمامه، لكنها تبدأ بالانخفاض بعد تجاوزها مستوى معين من الخيارات. يعتبر Barry Schwartz من أبرز من تحدث عن هذه الظاهرة في كتابه The Paradox of Choice، وتحديداً، أنّ < ازدياد الاختيار بين السلع والخدمات قد لا يضيف أو يضيف قليلاً إلى الحرية الحقيقية، بل –في الواقع- قد يعيق الحرية عبر تطلّب الوقت والطاقة التي من الأفضل لو كانت تكرّس إلى أمور أخرى، وأن الأميركيين المعاصرين يشعرون برضى أقل بشكل مطّرد حتّى مع توسّع حريتهم في الاختيار¹ >.

تشير نتائج دراسات في علم الدماغ إلى سلبيات متصّلة بكثرة الخيارات. يقول Daniel Levitin: < اكتشف علماء الأعصاب بأن عدم الإنتاجية وخسارة الحافز يمكن أن تكون نتيجة حِمل زائد من القرارات (decision overload) >، ويكشف في مكان آخر عن آلية ذلك، عبر اكتشافات حديثة في علم الدماغ: < ظهر أن عملية اتخاذ القرار متطلّبة جداً على الموارد العصبية، وأن قرارات صغيرة تستخدم طاقة قريبة من الطاقة التي تحتاجها القرارات الكبيرة. ومن أول الأشياء التي تفقدها هي التحكم بالحافز (impulse control)، وهذا ينزلق بسرعة إلى حالة مُستنزفة (depleted) (من الطاقة)، والتي فيها نتّخذ قرارات سيئة حول أشياء مهمة بعد اتخاذ قرارات صغيرة وكثيرة² >.

ولهذه النتيجة تداعيات عميقة إذ تدعو إلى تقليل عدد القرارات الصغيرة التي على الإنسان اتخاذها في نمط حياته اليومية، وتدعو إلى نمط بسيط من العيش لتكون القرارات الصغيرة فيها قليلة، إفساحاً في المجال لموارد الدماغ بأن تُستعمل في اتخاذ قرارات أكثر أهمية.

آخر تحديث: 13 كانون الثاني 2020.

نشر: 4 كانون الثاني 2020.