بين أصالة العمل ونقد تمجيد الإنتاجية
ملخص: إنّ مبدأ أصالة العمل
يختلف اختلافاً كبيراً عن تمجيد الإنتاجية، كما نراها بعمق في الثقافة الغربية (ص238). ولأهمية هذا الاختلاف والوعي حوله نتائج عملية كثيرة ومهمة في حياة الإنسان العملية.
ذكر الكتاب بعد استدلاله على مبدأ أصالة العمل
أن هذا المبدأ يختلف اختلافاً كبيراً عن تمجيد الإنتاجية، كما نراها بعمق في الثقافة الغربية (ص238). فما هو هذا الاختلاف؟ وما هي أهمية الوعي به؟ وما هي نتائجه العملية في الحياة اليومية؟
بداية لا بد من التوقف عند الاختلف بين مفهوم العمل، كما استعمل في الكتاب، وبين مفهوم الإنتاجية. فالعمل كان يشير إلى كل تطبيق للعلم في الواقع، أي كل نشاط يدوي أو ذهني أو معنوي، يُخرج العلم عند الإنسان عن كونه صوراً ذهنية يحملها في داخله. والواقع ليس فقط الواقع الخارجي بل يشمل نفس الإنسان: قلبه وروحه. وعليه تصبح مجاهدة النفس وتذكيتها وحضور القلب في العبادة -على سبيل المثال- أعمالاً لأنها تطبيق لعلم الأخلاق.
وعلى المقلب الآخر، فإن مفهوم الإنتاجية غالباً ما يكون علماني الطابع، ويعتني بما يتحقّق في الواقع المادي الخارجي أو الدماغي عند الإنسان. والأمثلة على الإنتاجية كثيرة ويصعب تعدادها: كتابة تقرير، إعداد ميزانية، بحث معلومة، شراء منتج ما، التحاق بدورة، نشر مقالة، الخ.
كما يهتم مفهوم الإنتاجية بشكل أساس بإتمام المهمة، وليس مجرّد العمل عليها، حتّى بات المفهوم مرتبطاً بالإتمام أكثر من ارتباطه بعملية القيام بالمهمّة. فتدعو أدبيات الإنتاجية إلى تحويل أي هدف كبير إلى مهام صغيرة ودقيقة وقابلة للقياس ويمكن إتمامه في وقت محدّد. بينما يهتّم مفهوم العمل بعملية تنفيذ المهمة نفسها، والآداب القلبية لها، كما في إتمامها بإتقان. وهذا ما ينقلنا إلى الاختلاف الجذري التالي.
إنّ النيّة في العمل، أي ما هو دافعنا القلبي للقيام به، هي بأهمية العمل، إنْ لم يكن أهمّ منه، في الرؤية الإسلامية. وعليه يصبح التركيز عليها محورياً في هذا المجال. فهل نقوم بالعمل لكسب محبة الآخرين أو رضاهم أو للحصول على منافع عندهم؟ أم نقوم به لأننا نرغبه ونشعر بمتعة في القيام به؟ أم نقوم به لأن ربّنا تعالى دعانا إلى ذلك؟
والعمل الصالح بحسب ظاهره يصبح بلا قيمة، بل رياءً عندما يكون الهدف هو الحصول على جاه أو سمعة عند الناس؟ كما أن العمل الصالح الصغير بنظر الناس قد يكون عظيماً عند الله سبحانه في حال القيام به بنيّة مخلصة. أما في مفهوم الإنتاجية فالمهم هو النتيجة المادية للعمل (المُنْتَج)، بغض النظر بأي قلب الذي قام به. ومصطلح الإنتاجية () يدل بوضوح الأصل هو الإنتاج .
ويمكن بسهولة الاستدلال على اختلاف مهم بين المفهومين عند النظر إلى منشئهما؛ فمفهوم العمل منطلقه ديني ومفهوم الإنتاجية منطلقه علماني. وعليه يستند مفهوم العمل على رؤية قِيمية متكاملة تحدّد الأولويات وما هو مفيد وضار. وهنا تكون الغاية من العمل في صلب المفهوم.
أما في الرؤية العلمانية فإن مفهوم الغاية يصبح أكثر ضموراً ويضمحل أمام قيمتي حرية الفرد وحرية السوق، وهذا ما نجد له تداعيات عميقة في الاقتصاد ككل. وقد انتقد بعض الأعلام الغربيين كروجيه غارودي انفصال مفهوم النمو عن سؤال الغاية، فأصبح النمو والإنتاج هدفين بأنفسهما وليسا وسيلتان لأهدف أسمى. يقول: < إن ’النمو’ بمعناه الغربي هي خلقُ حاجاتٍ جديدة، حتى لو كانت حاجات مُصطنعة ومُهينة. والمثالُ النموذجي اليوم لاقتصاد التبذير هذا هو هذه الهجمة على الأدوات الالكترونية. أهو تقدّم ’إنساني’ أن يصل المرءُ إلى أربعمئة قناةٍ تلفزيونية دولية؟ أن نقدّم لأبنائنا ألعاباً الكترونية ذات حركاتٍ تفاعلية أكثر تطوراً من ننتندو
، وفيها يستطيعون أن يشاركوا في حرب أو في اغتصاب جماعي1 >. ويقول، في معرضه حديثه عن الحلّ: < أن يُوقَفَ العالمُ على قدميه من جديد يعني أولاً أن تُعاد إلى السوق وظيفته الحقيقة التي هي أن يكون موضعاً لبروز الحاجات الماديّة والروحية الإنسانية الحقّة، وموضعاً لإرواء تلك الحاجات >. 2
آخر تحديث: 13 كانون الثاني 2020.
نشر: 4 كانون الثاني 2020.
اترك تعليقاً