عوارض التضخّم التراكمي
ملخص: إن عوارض التضخّم التراكمي أقل وضوحاً وإدراكاً من عوارض التضخّم الآني. وقد ذكر الكتاب تحديداً لعوارض التضخم التراكمي عبر عوارض الحيرة والجمود عن التطبيق في المواقف العملية التي تتطلّب تطبيقًا لمعلومات قد تلقاها الإنسان سابقًا (ص 60). ويمكن أن نكمل البحث عن عوارض محددة في مجال المعرفة الدينية. ويمكن أن نصل إلى أن عدم الوصول إلى مرتبة المحبة والخوف قد يكون إشارة لحصول تضخم تراكمي، ولهذا تداعيات عميقة واضحة في تقييم معلوماتنا الدينية.
في تشبيه تضخم المعلومات بتخمة الأكل، يكون التضخم التراكمي مشابهاً للبدانة، كما مّر ذكره في الكتاب (ص 59). فما هي عوارض البدانة؟ هي لا تظهر بشكل سريع ومباشر بعد تناول كميات أكبر من المطلوب صحيّاً. فلو أكلنا كميات أكبر دون الوصول إلى عسر الهضم، فقد نشعر باللذة والشبع نتيجة ما أكلنا.
وفي حالة المعلومات، لو تلقينا معلومات دون تحويلها إلى معرفة، أي تلقّيناها بشكل سطحي وسريع، دون الوصول إلى حد التضخم الآني، قد نشعر باللذة أيضاً نتيجة كثرة المعلومات وتنوعها والأفاق التي تفتحها وستروي عطشاً معرفياً كان عندنا أو فضولاً معرفياً. ولذلك لن يبدو أن هناك عوارض سلبية مؤلمة تدفعنا إلى التفكير في تغيير طريقة تلقينا للمعلومات، كما حصل مع التضخم الآني. ولهذا يعتبر التضخم التراكمي أخفى، والوعي حوله -وتبعاً لذلك- أقلّ.
كما إنّ تحديد عوارض مشكلة يفترض أن الإنسان كان في حالة سليمة قبل المشكلة، فالعوارض هي تغيير في حالة الإنسان (المريض). ولكن ماذا لو كانت المشكلة مزمنة مع الشخص ولم يكن في حالة سليمة قبلها؟ فالجيل الجديد الذي نشأ على القراءة التصفحية السريعة، والقصيرة، والمجتزأة، والشيّقة، قد لا يعرف طعم القراءة المعمقة، والمركزة، والمطولة، ولذلك سيصعب عليه تصوّر أن ما يشعر به بعد قراءته السطحية ليس بالأمر المثالي، بخلاف الجيل الذي تعامل مع الكتاب وطالع بتعمّق وتركيز، والذي بمقدوره مقارنة ما كان عليه حال القراءة سابقاً، وما هو حالها حالياً، خصوصاً عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
وفي كل الأحوال، يمكن البحث عن عوارض التضخم التراكمي عن طريق البحث في علامات عدم الوصول إلى المعرفة. لكن، بدايةً، ما هي علامات الوصول للمعرفة؟
يمكن أن نجد علامات للمعرفة في مجالات محددة، كمعرفة الله أو الأنبياء. يقول الغزالي إن < المحبة ثمرة المعرفة، فمن عرف ربه أحبه1 >. فإذا لم نصل لمحبة الله سبحانه، فهذا يعني أننا لم نعرف الله حقيقةً، بل لدينا فقط معلومات متفرّقة، لم يصدّق بها قلبنا، ويمكن أن تكون ممزوجة بكثير من الشكوك، والشبهات، التي لم نُعالجها. وهكذا تعطينا المحبة معياراً لتحديد كم أوصلتنا معلوماتنا الدينية إلى المعرفة الحقيقية.
ويقول حسين الخشن: < إن من عرف المثل الأعلى في فضائله وكمالاته … ولم يحبّه فقد خان المعرفة لأن المعرفة السليمة يُفترض أن تدفع نحو المحبة إذا كان الطرف الآخر أهلاً للمحبة، إلا إذا كان في قلب الإنسان مرض ما2. >
ومن علامات معرفة الله، يمكن أن نذكر الخوف من الله. بحسب الديلمي، فإنّ من < علامات المعرفة بالله شدة الخوف منه والهيبة له3 >، وهذا ما يمكن استنتاجه مباشرة من قول الله تعالى: {إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ} 4 < فمن لا يخشى اللّه ليس من العلماء مهما كان أعلمهم في الصلاحات، حتى الإلهية…، ومن يخشى اللّه فهو من العلماء مهما كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، فميزانية العلم هي حسب ميزانية الخشية في ميزان اللّه
5. >، كما يقول صادقي الطهراني.
آخر تحديث: 13 كانون الثاني 2020.
نشر: 4 كانون الثاني 2020.
-
أبو حامد محمد الغزالي، إحياء علوم الدين، ط1. (بيروت: دار الكتاب العربي، لا سنة)، 14: 52.↩︎
-
حسين الخشن، هل الدين إلا الحُب. ط1 (المركز الإسلامي الثقافي، 2014م / 1436هـ)، 125.↩︎
-
حسن بن محمد الديلمي، إرشاد القلوب إلى الصواب، ط1. (قم: الشريف الرضي، 1991م 1412هـ)، 1: 169.↩︎
-
سورة فاطر، 28.↩︎
-
صادقي الطهراني، الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن. ط2 (قم: منشورات الثقافة الإسلامية، 1986م 1407هـ)، 24: 333.↩︎
اترك تعليقاً